jeudi 22 juillet 2010
سافرت يا قصي إلى مكان قاصٍ


"فراڤ الحيا مامرّه" ... سمعت هذه الجملة في أغنية من التراث أو في مكان ما لا أذكره

اليوم استعدت حياتي "العادية" أو هكذا خـُيّل لي

فاليوم أمسكت بقلمي لأكتب

و اليوم شربت قهوة الصباح في شارع الحبيب بورڤيبة

و اليوم اخترت ثيابي قبل أن أخرج

و اليوم سمعت فيروز في الطريق

و اليوم اتصلت ببعض الأصدقاء

و اليوم تبيّن لي أنّ الجوّ حارّ جدا

و اليوم مررت أمام المقبرة، حيث تقطن، فابتسمت لك على غير عادة، و لم أدخل لأتمنى لك يوما ... سعيدا

و لكنني أكتب لك أنت

و أجلس في المقهى أتذكّرك

و ألبس ثيابا كانت تعجبك

و أسمع فيروز التي طالما غنّينا لها سويّا أيّام أرقك

و أتّصل بالأصدقاء لأحدّثهم عنك

و ابتسمت لك لأنّه لا خيار لي بعد تمثّل حقيقة رحيلك

و لا يضجرني أبدا أن أعيش على ذكراك فأنا أؤمن بأني لن أنساك

أخي و صديقي و طفلي الطموح، قتلوك و لكنّهم أبدا لن يقتلوا الحلم

زرعت فينا الطموح و أبدا لن يُجتثّ

كُتُبُك و مذكّراتك و قيثارتك و البيانو و السلم الموسيقي و الجدران تشعرنا بوجودك الأزلي

ربّما رحل جسدك النحيل

ربّما تركت النظارات وحيدة

و القيثارة باكية

و الأقلام بائسة

و استدعاء المناظرة الوطنية متسمّر في الحقيبة

و لكنّ روحك البريئة الحالمة لن ترحل عنّا

ابتسامتك الطفولية باقية لن تُمّحى

أنينك لم يفارق الفراش

تعليماتك بأن لا نشرب مباشرة من القارورة

بأن لا نأكل في مكان اخر غير المطبخ

بأن لا نسهر كلّ على حده في غرفته

بأن لا نقرب أغراضك الشخصية
...

تعليماتك تنفّذ بحذافيرها

فقط الأخيرة منها تجاهلتها، فاعذرني

اطّلعت على مذكّراتك و قرّرت مواصلتها بعد أن سافرت يا قصي إلى مكان قاصٍ

تصفّحت كتبك و صورك و لم أكن أعرف أنّك تعيد تاريخ طفولتي

تيقنت من وسواسك بتدوين الذكرى و كأنّك على موعد معلوم بالفراق

كلّ مُؤَلّف مكتوب عليه بخطّك الجميل "قصي.ط"، التاريخ، أهداه لي فلان، اشتريته من ...، قرأته في ...، أعدت قراءته في ...، كتاب رائع\مُملّ\شيّق..."

أنت رائع يا أخي

هذا ليس بالاكتشاف الجديد

هي قناعة اكتسبتها منذ أمد بعيد

منذ كنت تسخط على المدرسة في سنوات دراستك الأولى لاعتبارك ما تدرسه تافها مقارنة بمداركك

" يا ظُلمة ستي سامية تعلّم فينا في الخطّ المنحني و الدوائر أمانك امشي قلها الّي أنا نعرف نكتب جمل، فددتني" ...

منذ كنت توصد باب غرفتك لتبدع بين الأوراق و عرائس الدمى و البيانو و القيثارة و ما كنت تسميه بالتجارب العلمية
"جيت نصنع في أمبوبة ياخي تحرقو حواجبي'' أذكر هذه الحادثة التي أضحكتني طويلا

أذكر أيضا يوم كتبت أغنية "واحد مالناس" و لحّنتها ... أغنية تتحدّث عن طفل مات في الخامسة عشرة من عمره ... مثلك أنت

عرفت أنك رائع منذ رأيتك في أشدّ لحظات العسر تخفي وجعك أمامنا

منذ رأيتك تبكي ألمك وحدك وتقمع دموعك أمامنا

منذ قرأت في مذكراتك أنّك تتألّم منذ سنوات و تأبى أن تصارحنا بذلك

جاؤوا كلّهم يبكونك

أصدقاؤك بالمدرسة رثوْك في توزيع الجوائز

و زملاؤك في معهد الموسيقى ألغوْا حفلة نهاية السنة و أهدوْك "كيفك انت'' في بيتنا

أصدقائي سيكرمونك في المسرح

أعدك بأنّي سأنشر نصوصك المسرحية و سأضع صورتك على الغلاف
و أكتب تحتها "مات ليحي المسرح، سقط البطل على الركح، التقفته الموهبة، تمسّك بها و استعان بمسودّة الانشاء و قبل مرور 5 دقائق خذله المرض...راح الى الطبيب يطلب شفاءا مؤقتا يعتلي به الركح من جديد، فأقبل على مخّه المبدع العليل بكمّ من التجارب و مات حيّا مبدعا، أو بالأحرى قُتِل"

أقسم بوجعي يا قصي أنّي سأقول عن أطبائنا القردة العجائب

سأشنّ عليهم حربا حمراء أيها الغالي، أحمر من دمك الذي تقاطر من رأسك يوم أتوا بك ميّتا من مجزرة الرّابطة

قتلوك و أبدا لن يقتلوا الحلم يا حلميَ الغابر

2