lundi 5 décembre 2011
"البوب" اعتدى على ابنة السنتين بوحشية..

مرام الناصري أصغر جرحى الثورة سنّا

"البوب" اعتدى على ابنة السنتين بوحشية..


طفلة هي في عمر الزهور.. ابتسامتها بالكاد تعتلي شفتيها الرقيقتين فهي لا تضحك ولا يعلو صوتها كأقرانها.. حياتها مهدّدة بانقطاع التنفس في كلّ لحظة.. صدرها الصغير يرتفع كلّما غطّت وجهها آلة التنفس الاصطناعي.. موعدها اليومي مع هذه الآلة بات بمثابة الكابوس الذي يتربّص بمرح طفولتها.. كابوس تصرخ فزعا من رؤياه فيتضاعف همّها ويحدّق برئتيها الخطر، ثم سرعان ما تهدأ وترضخ لذاك "الاختراع" المكلف والثقيل على هيكلها الصغير وتستعيد نسق التنفس العادي لسويعات لتخلد أمّها زينة إلى شيء من الراحة وتحدّق هي في سقف الغرفة بعينيها المتعبتين إلى أن يلاعب النوم جفنيها المثقلتين بدموع الألم.
أقرانها يبكون لعدم رضوخ والديهم لشراء بعض الحلوى لهم أو لفقدان قطّة اعتادوا اللعب معها.. أقرانها دأبوا منذ أشهر قليلة على الخطو فالمشي فالركض فلعب لعبة "السّباق" و"الحُلّيلة" و"الغمّيضة" و"الكارِي".. لكنّ مرام الناصري طفلة الربيع الثاني وبضع أشهر لا يُسمع لها صراخ لغير الألم ولم يسمع صوت خطواتها المبتدئة منذ يوم 9 جانفي وقد تسبّب لها بوليس بن علي في شلل على مستوى الرجلين.
أنبوب الغاز يستهدفها ورصاصة القناص تغتال منقذها
أمّها زينة عاملة الحظائر لم تدّخر جهدا لمحاولة إنقاذها مرارا من الشلل وقصر التنفّس.. باعت كلّ ما لديها من أثاث بسيط لتسدّد جزءا ضئيلا من مصاريف علاج مرام التي تقدّر بمئات الدنانير.. زينة مازالت تذكر تفاصيل الاعتداء على طفلتها في حي الزهور بولاية القصرين، ذلك الحيّ الذي استشهد فيه عدد كبير جدّا من الشباب الذي خرج للاحتجاج على نظام بن علي ولحماية ممتلكاتهم وأعراضهم من بطش بوليس "البوب" الوحشي الذي بثّ في المنطقة الرعب وقتّل السكان واغتصب النساء.
يوم 9 جانفي على الساعة الخامسة مساءً كانت زينة عائدة من مستشفى القصّاب بالعاصمة تحمل مرام في حضنها وتمسك بيد ابنتها يسرى التي تشكو من مرض في رجلها.. اعترضتها مسيرة حاشدة بالمنطقة ولم يكن الأمر غريبا عليهم خلال ذلك الأسبوع وقد استبدّ بهم القمع البوليسي وقرّر المتساكنون المواجهة حفاظا على كرامتهم وتوقا إلى معانقة الحرية.. زينة كجلّ المتساكنين هناك، فقدت في تلك الفترة عددا هاما من أقاربها وأبناء جيرانها ولم تعد الموت تخيفها كثيرا.. زينة كجلّ متساكني تلك المنطقة لم تكن تخفى عليها مدى وحشية أعوان الأمن المنتشرين بكثافة في القصرين، ولكنّها أبدا لم تكن تتصوّر أن الأطفال لن يسلموا من حمام الدّم..
يداها كانتا ترتجفان ذعرا وغيضا عندما كانت تتذكّر كيف رمى أحد الأعوان ابنتها طفلة السنتين بأنبوب الغاز المسيل للدموع ليرتجف جسد الصغيرة بين يديها ويغمى عليها وسط هلع الجيران والحالة الهستيرية التي أصابت أمها.. "حينها اقترب منّي شاب من بين المحتجّين.. لم أكن أعرفه ومازلت أتذكّر وجهه إلى اليوم.. أراد إنقاذها بنقلها إلى المستشفى فباغتته رصاصة القناص ليلقى حتفه على عين المكان وتسقط ابنتي أرضا من بين يديه.. ابنتي الرضيعة سقطت أرضا بين دماء تسعة شبان ماتوا في نفس المكان من حي الزهور.. لم أكن متأكّدة من كونها ما تزال على قيد الحياة وسط حمام الدم الذي أحاط بها والمادة البيضاء التي انسدلت من فمها المزرقّ والصمت المفاجئ الذي بقيت عليه بعد أن أصابها أنبوب الغاز.. أحد الجيران حملها وقصدنا مستشفى القصرين تاركين حالة الهلع وسط الساحة الكبيرة وحاملين معنا الذعر والخوف والانشغال على مرام التي بدا وجهها أبيضا شاحبا كالأموات..".
الدولة تدير ظهرها عن العائلة المنكوبة
في المستشفى التُـقطت صور لمرام مُحاطة بعدد هام من الآلات الاستشفائية.. هذه المعدّات التي غطّت كامل جسدها الهزيل تكبّدت والدتها زينة ووالدها المنسي كامل مصاريفها، فالدولة لم تصرف لهم سوى 3 ألاف دينار ولم تتحصّل على أكثر من 800 دينار من الإعانات بينما فاق ثمن آلة التنفس الاصطناعي الواحدة السبعة ألاف دينار كما أوضحت لنا زينة بكلماتها البسيطة "أتقاضى 200 دينار شهريا من الحظيرة وأسدّد بها أقساط آلة التنفس على مدى 3 سنوات".
أمل إعادة الحياة لمرام اليوم وارد ولا ينقصه سوى الدعم الماديّ حتّى يغدو واقعا يسعد والديها وإخوانها الخمسة الذين هُمّشوا وسط عائلتهم المعوزة نظرا لانشغال أبويهما بحالة أختهما المصابة وما تتطلبه من تنقل دوري بين العاصمة والقصرين ومصاريف طائلة ومجهود إضافي، فالعلاج الطبيعي الذي يعدّ حسب طبيبها المباشر، مرحلة أساسية لا غنى عنها طيلة ثلاثة3 أشهر يقدّر بـ 15 دينارا مقابل الساعة الواحدة في المصحة الخاصة. إذ تمّ الإذن بخروج الطفلة من المستشفى العسكري المجهّز بمعدّات علاجها، بتعلّة الخوف من إصابتها بعدوى الأنفلونزا، ما جعل زينة تبحث دون جدوى عن سبل الحصول على ثمن حصص العلاج بالمصحة الخاصة.
زينة على بساطتها تلتزم بتعليمات الدكتور الذي أكّد أنّ مرام لا يمكنها الخضوع قطعا للتخدير من جديد لأنّ جهازها التنفسي ضعف كثيرا بعد كمية الغاز الكبيرة التي استنشقتها ولم يبق لها من حلّ سوى العلاج الطبيعي.. ورغم شكرها لعديد الأطباء على حسن تأديتهم لواجبهم، إلا أنها تقول إنها كانت تتوقع من الإطار الطبي معاملة خاصة لطفلة "ملاك" أصيبت عمدا وبوحشية لا توصف في ثورة الكرامة وابنة حيّ لم يبق أحد لم تطله يد الديكتاتور فيه بين شهيد وجريح ومصاب وشهيد حيّ: "ابنتي أصغر الجرحى سنّا بعد الشهيدة الرضيعة يقين التي ماتت في نفس المكان وفي نفس التوقيت الذي تمّ الاعتداء فيه على مرام وأنا حقّا أريدها أن تحيى وأراها عروسا جميلة وأسرد عليها وعلى أطفالها ما عاشته أمّهم من ويلات أيام الثورة.. أنا في حاجة إلى كل تونسية وتونسي بعد أن خذلتني الدولة".

1

Enregistrer un commentaire

مرحبا زارتنا البركة.. قول الي في قلبك الكل و اش عليك في الباقي