mercredi 7 décembre 2011
الجامعة التونسية بين التّفكير والتّكفير والسّياسة.. الرّشيدة


كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة، ذلك الحرم الجامعي المتين الذي يُشهد لمواقفه ونضالاته الطلاّبية الضّاربة في القدم.. كليّة الآداب حيث الإضرابات عن الطعام على خلفية المطالب النقابية.. كليّة الآداب حيث "الساحة الحمراء" معقل الاجتماعات العامّة.. كليّة الآداب حيث الإيقافات البوليسية التّعسفية والصّمود الطلاّبي.. كلية الآداب حيث الحزام الطّلابي المتماسك الذي قال عاليا "لا للبنفسجي في جامعة منوبة" وبذل النفيس لعدم التفريط في مقاعد المجلس العلميّ لطلبة حزب التجمّع المنحلّ.. كليّة الآداب حيث دوّى شعار "جامعة شعبية.. تعليم ديمقراطي.. ثقافة وطنية" حين كان للكلام معنًى وللموقف الحرّ ضريبة.
تلك الشعارات الثورية إلى حدّ النخاع ما كانت لتعتقد مرّة واحدة أنّ ثورة ستقوم في البلاد.. وما كانت تعتقد ثلث مرّةٍ أن يحلّ بالجامعة ما حلّ بها اليوم بعد الثورة وقد تحقّقت.. فساسة اليوم يتجوّلون من ركن إلى آخر لنشر خطاباتهم وربّما لفرضها.. يسجّلون الحضور في كل الاجتماعات والجمعيّات والتّجمعات والمجتمعات الخليجيّة منها والأوروبيّة.. لم تسلم منهم حرمة الجوامع وحتى الجامعات رغم عدم الإجماع الشعبي المزعوم على... رشدهم.
وكانت حلقة أخرى –وليست الأخيرة على الأرجح- مع الجامعة التونسيّة... نجحوا مبدئيا في تجزئتها بين مفكّرين ومكفّرين.. "الأخ" ينادي بإزالة الفكر الماركسي "العاهر" و"الملحد" من البرنامج الدراسيّ و"الرّفيق" يندّد "بالسلفية" و"الرجعية" و"التخلف".. وليتهما توقّفا عند الكلام الذي أصبح بفضلهما يوم اجتمعا على قول "خبز وماء وبن علي لا" مُباحًا ! هذا يمارس التكفير والآخر يدّعي التفكير وكلاهما بيادق شطرنج في أيادي.. الرّاشدين !
كم سنشتاقك أيّتها الساحة الحمراء لو أضحى منتهى كسرك للمحظور التّنديد أو الدّعوة للنقاب.. كم سنشتاق إليك أيها الصفّ الطلابيّ لو حُكم عليك بأن تنقسم إلى مسلمين وأقلّ إسلاما ومستسلمين ومسالمين.. كم سنشتاق إليك يا فلسفة لو آمنت بأنّك كافرة.. وكم سنشتاق إليك يا شريعة لو كفرت بيُسركِ.. وكم سنشتاق إليك يا سياسة لو أصرّيت على تسييس الجامعة..
كليّة الآداب بمنوبة ليست ويا لأسفي مثالا منفردا عن الرّجوع على الأعقاب.. أعقاب غمس الجامعة في لون واحد.. أعقاب خنق بوادر الوعي السياسيّ.. أعقاب تمرير الديكتاتورية تحت شمّاعة "الشغب الطلابي".. أعقاب التجمّع المنحلّ القابع في السياسة.. الرّشيدة.. ويا لعاقبتنا..

1

Enregistrer un commentaire

مرحبا زارتنا البركة.. قول الي في قلبك الكل و اش عليك في الباقي